شامي الدهيمان
24 Aug 2004, 03:23 PM
سيهات مشغولة بـ «ليلة القبض على رنووش»
إقفال مطعم وسجن صاحبه لتشغيله فتيات من دون رخص صحية
سيهات: عبير جابر
ما تزال المجالس السعودية وعلى الأخص في مدينة سيهات في المنطقة الشرقية تشهد موجة من النقاش والجدال حول الحادثة التي قلبت مقاييس المدينة ولم تهدأ حتى الآن.
مشهد غريب تسبب في الكثير من التساؤلات بين أهالي المنطقة فنال إعجاب البعض وأدهش البعض وأثار حفيظة كثيرين، إذ قام صاحب مطعم بتوظيف فتاتين في مطعمه، مما استدعى تدخل الشرطة وبلدية سيهات، وترتب على ذلك إقفال المحل لمدة 3 أيام لكون الموظفتين الجديدتين لا تحملان شهادة صحية تفيد بخلوهما من الأمراض كما ينص القانون.
لم يعلن أن عمل الفتاتين ممنوع في المطعم، لكن نظام العمل كان واضحاً لجهة عمل المرأة في مطعم عام حيث الاختلاط وارد بين الإناث والذكور، إذ لا نجد في أية مؤسسة فتيات يعملن باحتكاك مباشر مع الناس وخاصة الرجال باستثناء المستشفيات والمستوصفات وبعض الأماكن الأخرى كالأسواق الشعبية كما يحصل في سوق الخميس في القطيف حيث تقوم النساء بعمليات بيع مباشرة. لكن العادات الاجتماعية هي التي حكمت على القضية، إذ أنه حتى الآن لم تتقدم أية جهة رسمية بتوضيح سبب الإقفال ومنع الفتاتين من العمل باستثناء التوضيح الذي أعطي لصاحب المطعم بأن الإقفال تم لأن الموظفتين لم تحصلا على الشهادة الصحية. المكان: مطعم «رنووش» في حي النمر في سيهات. والزمان: أمسية الثلاثاء 10 أغسطس (آب) الجاري. وأبطال القصة: شابتان وشاب من أهالي سيهات. فقد قرر نبيل الرمضان العائد منذ فترة من لندن حيث كان يشغل مهام مدير مطعم هناك، أن يوظف فتيات في مطعمه الذي افتتحه في سيهات. وهنا بدأت القصة كما يرويها أبطالها لـ «الشرق الأوسط».
تسلمت الشابة جمانة وعمتها عملهما في مطعم الوجبات السريعة، وباشرت بتلقي اتصالات الزبائن، وتقول الفتاة: «كانوا يتفاجأون بالصوت الحريمي الذي يرد عليهم ويسألون هل هذا مطعم رنووش؟» للتأكد من الرقم المطلوب لكن الأمور سارت على خير ما يرام إلى أن حصل ما لم يكن في الحسبان، وتروي جمانة تفاصيل ما حصل في تلك الليلة «مرت الساعات الأولى للعمل على خير، وكان الوضع عادياً جداً حتى الساعة الحادية عشرة عندما أتت الشرطة وتسبب هذا في تجمهر الناس حول المطعم ليعلموا بما يجري»، وتنفي أن تكون الزحمة قد حصلت بسبب وجودها هي وعمتها في المطعم. اصطحبت الشرطة صاحب المطعم ومع ذلك لم تشعرا بأي ارتباك أو خوف لكنهما مع ذلك اضطرتا «للخروج من الباب الخلفي للمطعم تجنباً للحشود المتجمهرة أمامه». أصبحت قصة «رنووش» حديث الساعة في سيهات ومحيطها وزخرت المنتديات بروايات الحادث والتفاصيل وبالحكم على صاحب المحل وعلى الفتاتين وعلى المجتمع وعلى العادات. ولم يتأخر الناس في تبرير فعل صاحب المحل ولم يبخل آخرون في اعتبار إغلاق المطعم كان في محله لأن المشروع يهدف للفتنة. الخطوة التي قام بها الرمضان اعتبرها البعض جريئة ورفضها آخرون. لكن الشابتين، جمانة، 19 سنة، وعمتها، 20 سنة، كانتا على ثقة بصحة ما تفعلانه وعدم تعارضه مع الأخلاق والقيم، «لم أفعل ما هو منكر أو خطأ، فقد كان كل عملي أمام أعين الناس»، تقول جمانة التي لا تخلو لهجتها من ثقة كبيرة بالنفس. فهذه الشابة الحاصلة على مؤهل ثانوي كانت تريد ملء وقت فراغها بما هو مفيد وعندما عرضت الوظيفة عليها لم تتأخر في القبول وخاضت مع عمتها تجربتها الوظيفية الأولى التي لم تدم أكثر من 4 ساعات وخلفت زوبعة متواصلة منذ ذلك اليوم. استندت الفتاة في قبولها للعمل الى خلوه من العيب وعلى موافقة أهلها ومباركتهم. تقول: «محيطي تقبل الأمر لذا قبلت الوظيفة». ويتلخص عمل جمانة في صندوق الحسابات في المطعم والرد على مكالمات الزبائن للطلبات الخارجية وتجهيز الطلبات وتسليمها إليهم، وكل ذلك كان ضمن إطار شرعي حيث لا خلوة بينها وبين الزبائن بل تم ذلك من خلف حاجز صغير «كاونتر» في المحل كما يؤكد الرمضان. وتقول جمانة التي قررت كسر حاجز الممنوع بعملها هذا «كنت أعلم أن عمل النساء ممنوع في هذا المجال لكني لم أخف، وحتى الآن بعد تركي الوظيفة لدي استعداد للعودة عندما احصل على الموافقات الرسمية اللازمة، فقد طلبوا موافقة ولي أمري على عملي وهو موافق وسأعود للعمل بعد توقيعه على الأوراق اللازمة»، واضافت: «كما أننا كنا ملتزمتين باللباس الشرعي والنقاب». لم يعلن أحد صراحة أن إقفال المطعم كان بسبب عمل الشابتين فيه، ففي حين اعتبر مصدر في أمانة مدينة الدمام في حديث لـ «الشرق الأوسط» أن إقفال المحل كان سببه الناحية الصحية «لعدم حصول الفتاتين على الشهادة الصحية، والبلدية مهمتها الحفاظ على صحة الناس وبالتالي إقفال أي مطعم مخالف». وأفاد مدير مكتب العمل في الدمام سعد اليحيى بأنه «من المؤكد أن نظام العمل لم يحدد عملاً بعينه للرجال أو النساء»، موضحاً أنه لا توجد وظائف يمنع على النساء مزاولتها «ليس في نظام العمل تحديد لعمل مخصص للرجال أو النساء، فكل عمل مباح شرعاً للرجل مباح للمرأة، وما هو محرم على المرأة محرم على الرجل». حول قضية مطعم رنووش، قال اليحيى: «لا أستطيع الحديث في ما أشير اليه حول مطعم في سيهات لأني لست على علم بالموضوع»، لكنه نوه بالمادة 160 من نظام العمل التي تنص على أنه «لا يجوز في حالة من الأحوال اختلاط النساء بالرجال في أمكنة العمل وما يتبعها من مرافق وغيرها». مشيراً إلى أن المنع قد يكون لهذا السبب. وأضاف اليحيى: «كما أن المادة 161 من النظام تمنع تشغيل النساء خلال فترة من الليل ما بين غروب الشمس وشروقها ويجب ألا تقل هذ المدة المحظور عمل النساء خلالها عن 11 ساعة من ساعات الليل، وقد تكون العلة في المنع هنا أيضا».
ورداً على سؤال حول إمكانية مزاولة المرأة للعمل في حال حصول صاحب المطعم على موافقة ولي أمرها، قال اليحيى «إذا توافرت مشروعية العمل من جميع الجوانب فلا حاجة لموافقة ولي أو وصي إلا للشخص القاصر سواء كان ذكراً أو أنثى. أما إذا كانت مشروعية العمل محل نقاش فإن موافقة الولي أو الوصي لا تضفي أي نوع من المشروعية». وأكد أن «المشروعية هي المحك، فإذا توافرت فلا حاجة لتصريح من أحد وإذا انتفت لا يحق لكائن من كان أن يصدر تصريحاً».
وختم اليحيى بالإشارة الى أنه «إذا قامت سيدة بإدارة أو بالعمل في مطعم مخصص للنساء فلا أتصور أن أحداً سيعترض أو يمنعها، أما إذا كان مطعماً عاماً للرجال أو للرجال والنساء فلا يمكن ذلك بسبب الاختلاط»، مؤكداً أنه «ما الداعي لكل ذلك؟ فهل هذا من قلة الأعمال الملائمة للنساء وما أكثرها!». صاحب المحل نبيل الرمضان الذي توجهت إليه أصابع الاتهام باستقدام عادات غريبة عن المجتمع السعودي، أكد لـ «الشرق الأوسط» أنه زار مكتب العمل وسأل حول موضوع عمل الفتيات وجاءه الجواب «قالوا لي لا يوجد قانون يمنع عمل الفتيات في مطعم ولكن هناك من يمنع ذلك». ولأنه لم يقتنع قرر القيام بخطوته التي جلبت له «وجع الرأس». ويروي الرمضان ما حصل معه في تلك الليلة «الحارة»، إذ أتاه مندوب من بلدية سيهات ليلاً «طلب مني الاطلاع على رخصة المحل وأعطاني خطاب إنذار لمراجعة البلدية صباح اليوم التالي، وعندما سألته عن السبب قال لأنك تقوم بتشغيل فتيات»، استنكر الرمضان هذا الأمر «لأن البلدية لا يحق لها أن تسألني عن ذلك». لم يتوقف الأمر عند هذا الحد إذ أتى رجال الشرطة بعد تلقيهم بلاغا «من شخص ما يبدو أنه لم يستسغ ما يجري»، يقول الرمضان الذي تم إبلاغه ان تهمته هي تشغيل الفتيات، مما دفع الشرطة لاحتجازه تلك الليلة.
في اليوم التالي خرج نبيل، لكن «بعد أن وقعت تعهداً بعدم إعادة تشغيل الفتيات إلا بعد الحصول على الموافقات من الجهات المختصة». عاد الرمضان الى مكتب العمل لمعرفة الإجراءات، لكن الإجابات لم تكن وافية «لم أحصل على جواب مقنع إذ يقولون لي هناك ان الأمر غير ممنوع، لكنه ممنوع بحكم الشريعة إذ لا يجب الاختلاط بين النساء والرجال»، وعندما أراد الحصول على ورقة رسمية لم يحصل عليها «أريد خطاباً رسمياً بأن القانون لا يمنع تشغيل الفتيات لكنهم يرفضون إعطائي إياه». ويبدو الرمضان مصراً على المضي قدما في مشروعه «سأستمر في تتبع الأمر وسأرسل خطاباً لوزير العمل الدكتور غازي القصيبي حول الموضوع، لأنني في صراع لإثبات أن ما قمت به ليس عيباً أو حراماً».
اعتبر ابو محسن الذي يسكن بالقرب من المطعم أن الفتاتين أخطأتا بالظهور العلني أمام الناس ما سمح لذوي النفوس الضعيفة بالحضور الى المطعم لرؤية هذه الظاهرة الغريبة عن مجتمعنا وبيئتنا. ووافقه جاره أبو عبد الله الرأي إذ أكد أن هذه «الحادثة بدت وكأن صاحب المطعم يريد تسويق محله عبر تشغيل الفتاتين فيه، والخوف من أن تقوم باقي المطاعم بتقليده». لكن ظهور الفتاتين بكامل حشمتهما وبنقابهما ينفي هذا الاحتمال من وجهة نظر أمنية التي اعتبرت أن ما قامت به جمانة «ليس عيباً بل العيب في الناس التي تتكلم عن الأمر وكأنه خطأ لا يغتفر»، معتبرة أن «عمل البنت ليس عيباً، ولكن أسلوب صاحب المحل كان خاطئا إذ كان يمكنه توظيف الفتاتين في أماكن معزولة قليلاً او وراء ستارة». أحد الشباب الذين شهدوا ليلة القبض على «رنووش» في سيهات، قال «جاء في اتصال من صديق يبلغني فيه بما يجري فلم أصدق وذهبت للتأكد من صحة الشائعة». وأضاف «عندما دخلت المطعم كان كل شيء عاديا فالفتاتان محتشمتان وتأخذان الطلبات من الزبائن وتردان على الاتصالات للطلبات الخارجية فخرجت وكلي ثقة بأن ما يحصل أمر طبيعي جداً لكن المشكلة في تقبل المحيط للفكرة». رأت أم محمد التي تسكن في الشارع الذي يقع فيه المطعم أن صاحب المحل «ارتكب خطأ فادحاً بتعريضه الشابتين لهذا الموقف المحرج بسبب عدم وجود تصريح لديه، لكن وبما أن الفتاتين كانتا تعلمان بأن الأمر ممنوع، فهما تتحملان جزءاً كبيراً من المسؤولية». لكنها شددت على أنهما لم ترتكبا أي فعل خاطئ «طالما التزمتا بالضوابط الشرعية، لكن عليهما احترام عادات سيهات وتقاليدها». اعتبر احدهم أن صاحب المحل «مجنون» وآخرون اعتبروه مرتداً، لكن مجموعة من الشباب السيهاتي اعتبروا أن «نبيل لم يخطئ، فهو قام بذلك ضمن الأطر الأخلاقية كونه لم يجبر الفتاتين على العمل بل كانتا تتصرفان بملء إرادتيهما». ويؤكد الرمضان هذا الأمر «كانتا تعرفان بتفاصيل العمل، ووافقتا ووافق ولي أمرهما بعد أن أتى وعاين المطعم واطلع على التفاصيل».
ويتساءل وليد الشاب المعارض بشدة لما جرى في سيهات «هل نفتقر للعمال الذكور لنوظف الفتيات في هكذا محلات؟»، معتبراً أن هذا الأمر فيه مساس بالفتاة موجهاً سؤاله لصاحب المطعم .. «هل تقبل بأن تعمل أختك أو زوجتك أو إحدى قريباتك في هكذا مكان؟»، وتأتي الإجابة من صاحب المطعم نبيل الرمضان «كانت أختي ستعمل معي لكن ظروف سفرها الى الخارج حالت دون ذلك».
أقفل المحل لثلاثة أيام وسجن صاحبه ليلة من دون توجيه اتهام واضح له، وعادت الشابتان الى منزليهما. أثيرت في سيهات ومحيطها موجة من الرفض والقبول، من الاستنكار والتشجيع، وما تزال ذيول القضية مستمرة حتى تتضح الخلفيات وتظهر على الملأ الصورة الواضحة لما يمكن للفتاتين القيام به وما لا يمكن عمله وفق القوانين المرعية والعادات المتبعة.
إقفال مطعم وسجن صاحبه لتشغيله فتيات من دون رخص صحية
سيهات: عبير جابر
ما تزال المجالس السعودية وعلى الأخص في مدينة سيهات في المنطقة الشرقية تشهد موجة من النقاش والجدال حول الحادثة التي قلبت مقاييس المدينة ولم تهدأ حتى الآن.
مشهد غريب تسبب في الكثير من التساؤلات بين أهالي المنطقة فنال إعجاب البعض وأدهش البعض وأثار حفيظة كثيرين، إذ قام صاحب مطعم بتوظيف فتاتين في مطعمه، مما استدعى تدخل الشرطة وبلدية سيهات، وترتب على ذلك إقفال المحل لمدة 3 أيام لكون الموظفتين الجديدتين لا تحملان شهادة صحية تفيد بخلوهما من الأمراض كما ينص القانون.
لم يعلن أن عمل الفتاتين ممنوع في المطعم، لكن نظام العمل كان واضحاً لجهة عمل المرأة في مطعم عام حيث الاختلاط وارد بين الإناث والذكور، إذ لا نجد في أية مؤسسة فتيات يعملن باحتكاك مباشر مع الناس وخاصة الرجال باستثناء المستشفيات والمستوصفات وبعض الأماكن الأخرى كالأسواق الشعبية كما يحصل في سوق الخميس في القطيف حيث تقوم النساء بعمليات بيع مباشرة. لكن العادات الاجتماعية هي التي حكمت على القضية، إذ أنه حتى الآن لم تتقدم أية جهة رسمية بتوضيح سبب الإقفال ومنع الفتاتين من العمل باستثناء التوضيح الذي أعطي لصاحب المطعم بأن الإقفال تم لأن الموظفتين لم تحصلا على الشهادة الصحية. المكان: مطعم «رنووش» في حي النمر في سيهات. والزمان: أمسية الثلاثاء 10 أغسطس (آب) الجاري. وأبطال القصة: شابتان وشاب من أهالي سيهات. فقد قرر نبيل الرمضان العائد منذ فترة من لندن حيث كان يشغل مهام مدير مطعم هناك، أن يوظف فتيات في مطعمه الذي افتتحه في سيهات. وهنا بدأت القصة كما يرويها أبطالها لـ «الشرق الأوسط».
تسلمت الشابة جمانة وعمتها عملهما في مطعم الوجبات السريعة، وباشرت بتلقي اتصالات الزبائن، وتقول الفتاة: «كانوا يتفاجأون بالصوت الحريمي الذي يرد عليهم ويسألون هل هذا مطعم رنووش؟» للتأكد من الرقم المطلوب لكن الأمور سارت على خير ما يرام إلى أن حصل ما لم يكن في الحسبان، وتروي جمانة تفاصيل ما حصل في تلك الليلة «مرت الساعات الأولى للعمل على خير، وكان الوضع عادياً جداً حتى الساعة الحادية عشرة عندما أتت الشرطة وتسبب هذا في تجمهر الناس حول المطعم ليعلموا بما يجري»، وتنفي أن تكون الزحمة قد حصلت بسبب وجودها هي وعمتها في المطعم. اصطحبت الشرطة صاحب المطعم ومع ذلك لم تشعرا بأي ارتباك أو خوف لكنهما مع ذلك اضطرتا «للخروج من الباب الخلفي للمطعم تجنباً للحشود المتجمهرة أمامه». أصبحت قصة «رنووش» حديث الساعة في سيهات ومحيطها وزخرت المنتديات بروايات الحادث والتفاصيل وبالحكم على صاحب المحل وعلى الفتاتين وعلى المجتمع وعلى العادات. ولم يتأخر الناس في تبرير فعل صاحب المحل ولم يبخل آخرون في اعتبار إغلاق المطعم كان في محله لأن المشروع يهدف للفتنة. الخطوة التي قام بها الرمضان اعتبرها البعض جريئة ورفضها آخرون. لكن الشابتين، جمانة، 19 سنة، وعمتها، 20 سنة، كانتا على ثقة بصحة ما تفعلانه وعدم تعارضه مع الأخلاق والقيم، «لم أفعل ما هو منكر أو خطأ، فقد كان كل عملي أمام أعين الناس»، تقول جمانة التي لا تخلو لهجتها من ثقة كبيرة بالنفس. فهذه الشابة الحاصلة على مؤهل ثانوي كانت تريد ملء وقت فراغها بما هو مفيد وعندما عرضت الوظيفة عليها لم تتأخر في القبول وخاضت مع عمتها تجربتها الوظيفية الأولى التي لم تدم أكثر من 4 ساعات وخلفت زوبعة متواصلة منذ ذلك اليوم. استندت الفتاة في قبولها للعمل الى خلوه من العيب وعلى موافقة أهلها ومباركتهم. تقول: «محيطي تقبل الأمر لذا قبلت الوظيفة». ويتلخص عمل جمانة في صندوق الحسابات في المطعم والرد على مكالمات الزبائن للطلبات الخارجية وتجهيز الطلبات وتسليمها إليهم، وكل ذلك كان ضمن إطار شرعي حيث لا خلوة بينها وبين الزبائن بل تم ذلك من خلف حاجز صغير «كاونتر» في المحل كما يؤكد الرمضان. وتقول جمانة التي قررت كسر حاجز الممنوع بعملها هذا «كنت أعلم أن عمل النساء ممنوع في هذا المجال لكني لم أخف، وحتى الآن بعد تركي الوظيفة لدي استعداد للعودة عندما احصل على الموافقات الرسمية اللازمة، فقد طلبوا موافقة ولي أمري على عملي وهو موافق وسأعود للعمل بعد توقيعه على الأوراق اللازمة»، واضافت: «كما أننا كنا ملتزمتين باللباس الشرعي والنقاب». لم يعلن أحد صراحة أن إقفال المطعم كان بسبب عمل الشابتين فيه، ففي حين اعتبر مصدر في أمانة مدينة الدمام في حديث لـ «الشرق الأوسط» أن إقفال المحل كان سببه الناحية الصحية «لعدم حصول الفتاتين على الشهادة الصحية، والبلدية مهمتها الحفاظ على صحة الناس وبالتالي إقفال أي مطعم مخالف». وأفاد مدير مكتب العمل في الدمام سعد اليحيى بأنه «من المؤكد أن نظام العمل لم يحدد عملاً بعينه للرجال أو النساء»، موضحاً أنه لا توجد وظائف يمنع على النساء مزاولتها «ليس في نظام العمل تحديد لعمل مخصص للرجال أو النساء، فكل عمل مباح شرعاً للرجل مباح للمرأة، وما هو محرم على المرأة محرم على الرجل». حول قضية مطعم رنووش، قال اليحيى: «لا أستطيع الحديث في ما أشير اليه حول مطعم في سيهات لأني لست على علم بالموضوع»، لكنه نوه بالمادة 160 من نظام العمل التي تنص على أنه «لا يجوز في حالة من الأحوال اختلاط النساء بالرجال في أمكنة العمل وما يتبعها من مرافق وغيرها». مشيراً إلى أن المنع قد يكون لهذا السبب. وأضاف اليحيى: «كما أن المادة 161 من النظام تمنع تشغيل النساء خلال فترة من الليل ما بين غروب الشمس وشروقها ويجب ألا تقل هذ المدة المحظور عمل النساء خلالها عن 11 ساعة من ساعات الليل، وقد تكون العلة في المنع هنا أيضا».
ورداً على سؤال حول إمكانية مزاولة المرأة للعمل في حال حصول صاحب المطعم على موافقة ولي أمرها، قال اليحيى «إذا توافرت مشروعية العمل من جميع الجوانب فلا حاجة لموافقة ولي أو وصي إلا للشخص القاصر سواء كان ذكراً أو أنثى. أما إذا كانت مشروعية العمل محل نقاش فإن موافقة الولي أو الوصي لا تضفي أي نوع من المشروعية». وأكد أن «المشروعية هي المحك، فإذا توافرت فلا حاجة لتصريح من أحد وإذا انتفت لا يحق لكائن من كان أن يصدر تصريحاً».
وختم اليحيى بالإشارة الى أنه «إذا قامت سيدة بإدارة أو بالعمل في مطعم مخصص للنساء فلا أتصور أن أحداً سيعترض أو يمنعها، أما إذا كان مطعماً عاماً للرجال أو للرجال والنساء فلا يمكن ذلك بسبب الاختلاط»، مؤكداً أنه «ما الداعي لكل ذلك؟ فهل هذا من قلة الأعمال الملائمة للنساء وما أكثرها!». صاحب المحل نبيل الرمضان الذي توجهت إليه أصابع الاتهام باستقدام عادات غريبة عن المجتمع السعودي، أكد لـ «الشرق الأوسط» أنه زار مكتب العمل وسأل حول موضوع عمل الفتيات وجاءه الجواب «قالوا لي لا يوجد قانون يمنع عمل الفتيات في مطعم ولكن هناك من يمنع ذلك». ولأنه لم يقتنع قرر القيام بخطوته التي جلبت له «وجع الرأس». ويروي الرمضان ما حصل معه في تلك الليلة «الحارة»، إذ أتاه مندوب من بلدية سيهات ليلاً «طلب مني الاطلاع على رخصة المحل وأعطاني خطاب إنذار لمراجعة البلدية صباح اليوم التالي، وعندما سألته عن السبب قال لأنك تقوم بتشغيل فتيات»، استنكر الرمضان هذا الأمر «لأن البلدية لا يحق لها أن تسألني عن ذلك». لم يتوقف الأمر عند هذا الحد إذ أتى رجال الشرطة بعد تلقيهم بلاغا «من شخص ما يبدو أنه لم يستسغ ما يجري»، يقول الرمضان الذي تم إبلاغه ان تهمته هي تشغيل الفتيات، مما دفع الشرطة لاحتجازه تلك الليلة.
في اليوم التالي خرج نبيل، لكن «بعد أن وقعت تعهداً بعدم إعادة تشغيل الفتيات إلا بعد الحصول على الموافقات من الجهات المختصة». عاد الرمضان الى مكتب العمل لمعرفة الإجراءات، لكن الإجابات لم تكن وافية «لم أحصل على جواب مقنع إذ يقولون لي هناك ان الأمر غير ممنوع، لكنه ممنوع بحكم الشريعة إذ لا يجب الاختلاط بين النساء والرجال»، وعندما أراد الحصول على ورقة رسمية لم يحصل عليها «أريد خطاباً رسمياً بأن القانون لا يمنع تشغيل الفتيات لكنهم يرفضون إعطائي إياه». ويبدو الرمضان مصراً على المضي قدما في مشروعه «سأستمر في تتبع الأمر وسأرسل خطاباً لوزير العمل الدكتور غازي القصيبي حول الموضوع، لأنني في صراع لإثبات أن ما قمت به ليس عيباً أو حراماً».
اعتبر ابو محسن الذي يسكن بالقرب من المطعم أن الفتاتين أخطأتا بالظهور العلني أمام الناس ما سمح لذوي النفوس الضعيفة بالحضور الى المطعم لرؤية هذه الظاهرة الغريبة عن مجتمعنا وبيئتنا. ووافقه جاره أبو عبد الله الرأي إذ أكد أن هذه «الحادثة بدت وكأن صاحب المطعم يريد تسويق محله عبر تشغيل الفتاتين فيه، والخوف من أن تقوم باقي المطاعم بتقليده». لكن ظهور الفتاتين بكامل حشمتهما وبنقابهما ينفي هذا الاحتمال من وجهة نظر أمنية التي اعتبرت أن ما قامت به جمانة «ليس عيباً بل العيب في الناس التي تتكلم عن الأمر وكأنه خطأ لا يغتفر»، معتبرة أن «عمل البنت ليس عيباً، ولكن أسلوب صاحب المحل كان خاطئا إذ كان يمكنه توظيف الفتاتين في أماكن معزولة قليلاً او وراء ستارة». أحد الشباب الذين شهدوا ليلة القبض على «رنووش» في سيهات، قال «جاء في اتصال من صديق يبلغني فيه بما يجري فلم أصدق وذهبت للتأكد من صحة الشائعة». وأضاف «عندما دخلت المطعم كان كل شيء عاديا فالفتاتان محتشمتان وتأخذان الطلبات من الزبائن وتردان على الاتصالات للطلبات الخارجية فخرجت وكلي ثقة بأن ما يحصل أمر طبيعي جداً لكن المشكلة في تقبل المحيط للفكرة». رأت أم محمد التي تسكن في الشارع الذي يقع فيه المطعم أن صاحب المحل «ارتكب خطأ فادحاً بتعريضه الشابتين لهذا الموقف المحرج بسبب عدم وجود تصريح لديه، لكن وبما أن الفتاتين كانتا تعلمان بأن الأمر ممنوع، فهما تتحملان جزءاً كبيراً من المسؤولية». لكنها شددت على أنهما لم ترتكبا أي فعل خاطئ «طالما التزمتا بالضوابط الشرعية، لكن عليهما احترام عادات سيهات وتقاليدها». اعتبر احدهم أن صاحب المحل «مجنون» وآخرون اعتبروه مرتداً، لكن مجموعة من الشباب السيهاتي اعتبروا أن «نبيل لم يخطئ، فهو قام بذلك ضمن الأطر الأخلاقية كونه لم يجبر الفتاتين على العمل بل كانتا تتصرفان بملء إرادتيهما». ويؤكد الرمضان هذا الأمر «كانتا تعرفان بتفاصيل العمل، ووافقتا ووافق ولي أمرهما بعد أن أتى وعاين المطعم واطلع على التفاصيل».
ويتساءل وليد الشاب المعارض بشدة لما جرى في سيهات «هل نفتقر للعمال الذكور لنوظف الفتيات في هكذا محلات؟»، معتبراً أن هذا الأمر فيه مساس بالفتاة موجهاً سؤاله لصاحب المطعم .. «هل تقبل بأن تعمل أختك أو زوجتك أو إحدى قريباتك في هكذا مكان؟»، وتأتي الإجابة من صاحب المطعم نبيل الرمضان «كانت أختي ستعمل معي لكن ظروف سفرها الى الخارج حالت دون ذلك».
أقفل المحل لثلاثة أيام وسجن صاحبه ليلة من دون توجيه اتهام واضح له، وعادت الشابتان الى منزليهما. أثيرت في سيهات ومحيطها موجة من الرفض والقبول، من الاستنكار والتشجيع، وما تزال ذيول القضية مستمرة حتى تتضح الخلفيات وتظهر على الملأ الصورة الواضحة لما يمكن للفتاتين القيام به وما لا يمكن عمله وفق القوانين المرعية والعادات المتبعة.